الأحد، أغسطس 28، 2005

9

"العتمة هي شرط موضوعي للحلم, والحلم فكرة تفيض بالنور" كان يقول, ثم يردف .."أليس الأمر يدعو للسخرية"؟
نظرت إليه مستفهمة"
أقصد, هنالك تضاد ما, تضاد تناحري بين الحالتين, ديالكتيك مثلا"
ابتسمت ولم تعلق, لكنه كان مشدوها كمن قبض على ناصية فكرة. كأن الفكرة صارت محورا تدور حوله الطاولة, والقميص, والكحل, والدموع.وكانت الفجيعة تطل برأسها من ياقة قميصه المعرق بالخذلان, وتفيض حزنها على الطاولة, فتغرق حقيبتها, قميصها السماوي, ويلطخ عينها بالكحل الذي يسيل. دائما نحو الأعلى.هي امرأة تلتقط تذكاراتها حيثما حلت, حقيبتها تحتضن رسالتين أو ثلاث, وبضعة قرنفلات, ومناديل ورقية رخيصة مطبوع عليها أسماء المطاعم التي زاروها, كلها غرقى بالكحل."أم الروبابيكا" هي
وهو, ينتحر فيها كلما التقى بالوجع الذي يشع من جبينها, يمزق التذكارات, يمحو الكتابات على الطاولة الخشبية, وأسماء العاشقين الذين جلسوا حول قلبين وحب وشمعة. يطلب لنفسه كأس بيرة فيتركها ملآى ويغرق في العينين, وفي إزالة الأسماء." هذا تصرف شرقي بامتياز", قالت له مرة وهو يمزق قلبا محفورا على الطاولة.. " أنت تريد الطاولة بكرا دون ذاكرة" ,توقف مشدوها, واصلت " حب كولينيالي, رفيق" وابتسمت وهي تصوب عينيها إلى عمق العسلي الذي فيهما.لم يبتسم كما أرادت, بل كان ينظر إلى الطاولة الملآى بالندوب, ووجهه يفيض بالحسرة.
أمسك يدها, وقال لها, وهما خارجان
- لم أكن أعتقد أنني أرتكب جريمة بحق الذاكرة, ظننت أنني أغسل الطاولة من أكاذيب لم تتحقق
- أكاذيب؟الحدقتان المفتوحتان, تتساءلان عن الرابط الشخصي والخاص, في غمرة حديث يطال العموميات
- ما أقصده هو, أعني ..
صمت
انسلّت يدها من يده, فأحس باليتم, وتمنى لو استطاع أن يمزق المسافة التي تزداد بين الكفّين, أو يموت دونها." كم من أصحاب هذه الأسماء لا زالوا يحفرون أسماءهم على الطاولات الخشبية, ومقاعد الحدائق, و سيقان الأشجار اليوم؟, ها ؟"احمرّ وجهه وهو يطالع الخيبة في عينيها,
لم تقل شيئا, واصلت سيرها, فانطوى على نفسه كراية لحرب انتهت للتو.

ليست هناك تعليقات: