الأربعاء، سبتمبر 07، 2005

عيد ميلاده اليومي

يولد أبو سريع في فضاء غرفة مليء بدخان محلي رخيص, يقف هنالك على الباب الفاصل ما بين القلب و الذاكرة, وعلى البال الواصل ما بين النصل و الخاصرة المفتوحة كأفق لا يتسع سوى للعويل, عويل ممتد و عال كرصاص مخزن "الآلي" يطير في السماء ليُسقط السماء..
يولد, ويملأ حلقي بزجاج مكسر .

أنا أعرف أنه لم يعد هنا ..
القبر البارد يضم جسده هناك, وصوته ضاع منذ شهور في هواء المدينة الراكد, ضاع تحت أقدام الذاهبين و العائدين من وقتهم نحو المجهول الكامن في كل لحظة, الموت المتربص في الازقة ,الموت الذي يستفرد برام الله منذ رحل أبو سريع.
يولد أبو سريع في غرفة تضيء حيطانها شعارات الثورة و ملصقات "القطب الطلابي التقدمي" .. غرفة بلاطها يعج بأكواب البلاستيك الفقيرة و المشبعة برائحة عرق حداد..يستحلب ريقه و يتمنى لو كان معنا,لكن المدينة الصاحية الى ساعات الفجر المبكرة لم تعد تحن الى صوت خطاه التي تلاشت في البعيد, أذهلها كل هذا الفقدان المتواصل, فنسيت أبو سريع, و غاب أبو سريع في زحمة الاسماء التي "نتصبح" بها كل يوم على ملصقات جديدة.
يولد أبو سريع في نكات الرفاق و أحاديثهم الملأى بجلد الذات و يقف مكان نجمة لأنه يعرف كيف يضيء ليلة قاتمة .


يعود أبو سريع الينا بروحه المطفأة, بعينيه المفتوحتين ككهف عميق من الوجع, يتحدث معنا, يواسينا, يمسح بكفه العريض الخشن على قلوبنا, يبكي علينا ونحن نواصل عبثنا دون أن نراه.

ليست هناك تعليقات: