الأحد، يوليو 17، 2005

ضجيج

كل هذا الضجيج يبعصني
هذه الأدلجة المفتعلة للرواية , هذا التسطيح المقيت للسرد, هذه الشعاراتية الطاغية والمملة
الجمعية في كل شيء(ولا أقصد هنا الجمعية التعاونية تبع عادل إمام في فلم العار بالطبع)
ضغط الجمعية على الأنا, تلك الرغبة المحمومة والأثيمة بحمل رسالة مكرورة ...
تررررلملللم , الشريط عم يرجع لورى



ولك يا خرى شو القصة؟؟
طيب, لا تضرب, القصة باختصار كالتالي
كان ياماكان, زرت بلوغ لأحد العرب العاربة (وأكاد أقول, الغاربة, تعصبا للحقيقة) من فلسطين, أعتذر عن ذكر عنوانه , وفوجئت بكل هذه الدعائية وكل هذا التسطيح في يومياته لحظة, أعطيكم مقاربة من عندي كمثال على ما يكتبه ذلك الأخو:
" أفطرت صحن فول أسود كالليل العربي المدلهم وفقشت البصلة بكل ما أوتيت من حقد على الإحتلال الإسرائيلي, وشربت كباية شاي أسخن من قلبي على الوطن, وكانت جوزتي (الله يسامحها, بتضل فلسطينية) قد وضعت ملعقة سكر (فضلة خير وكالة إغاثة اللاجئين) زائدة عن اللزوم , فكان طعم الشاي حلوا كالاستشهاد في سبيل قضية"
إنو, يا أخي, فهمنا إنك فلسطيني, وبنعرف إنو فلسطين بتعاني, بس ما زهقت من تزهيقنا بسطحيتك يا ملعون سنسفيل الإحتلال الغبي اللي احتلك ؟

قبل يومين, قرأت
موضوعا كتبه شاعر شاب مصري, يتحدث عن صورة الإحتلال وعن الإختلال في صورته, عن صدمته الحقيقية حينما رأى في تقرير مصور للبي بي سي حال سجون إسرائيل. عن اندهاشه لمرآى المعتقلين يشاهدون التلفزيون في إحدى الغرف الاعتقالية. عن النظافة النسبية للغرف, عن محادثات التليفون التي يجريها الأسرى.
الأمر, حين تضعه مقابل شعاراتية الإعلام, وشعاراتية ما يُقال على ألسن البشر ههنا, يتكشف عن هوة رهيبة تفصل بين الحقيقة المادية وبين مقاربات الحالة, هوة أوسع من المسافة بين قدمي رشيدة مهران,
هوة أعمق من تجربة رشيدة مهران,
هوة إيه اللي حاصل يا جدعاان؟؟

يعني بسبب شعاراتية مغرقة في التهويل وإغفال الحقائق: يصدم إنسان كهذا ويقول: آآخ على حبسة من إيدين خالتي إسرائيل.
طبعا هو ليس ملاما, الملام هو التنفزنون, والرادنو, والملامون هم كل من أخبر الشاعر عن حال المعتقل في فلسطين مغفلا ذكر حقائق أساسية بضمنها: أن الكيان الصهيوني في تعامله مع المعتقلين ليس أبشع أبدا من تعامل بريطانيا مع معتقلي الحرية في إير-لندا. ذاك المنتدى ينغل بالفلسطينيين نغلا, هنالك مناضلين حقيقيين هنالك, أعرف بعضهم شخصاويا, وأعرف ما عانوه في المعتقلات الصهيونية, أحدهم أخ لشهيد استشهد في أقبية التعذيب الصهيونية, إحداهن: أخت ذلك الشهيد, وزوجة وابنة وأخت معتقل , وفي الوقت ذاته أخت معتقلة , جميعهم, حتى هذه اللحظة معتقلون في سجون إسرائيل طيب, لمَ لمْ يتنطع أحدهم لإجابة هذه التساؤلات المشروعة من المخدوع أعلاه؟؟ لأنهم يشعرون بالحرج, ولأن السيد آخر الليل, سيتغاضى بالطبع عن اكتشافاته وإلا فإنه سيصير خائنا مرتزقا في عيوننا جميعا
ولكوا يا بشر, ألم يستطع أحدكم أن يقول له حقيقة حقيقية (عجبتني هاي حقيقة حقيقية) تقول بأن السجن حالة وليس مكانا وأن تقييد حرية الحركة والتعذيب هو ذات البراز الذي يقتاته معتقلو الحرية في باقي بقاع الأرض, "الفرق بس بالقنينة" على رأي سكرجية حارتنا؟؟
ألا يستطيع أحدكم أن يقول : كل هذه "الإنجازات الإعتقالية" هي محض ثمرة أسابيع طويلة من الإضراب عن الطعام, والإشتباك مع الإدارة, وضغط المعتقلين بأصابعهم العارية في ثقب إسرائيل المكشوف: علاقتها المرتبكة بذاتها بين صورتها الديمقراطية أمام ذاتها والعالم, وبين حقيقتها العدوانية والشوفينية كـ"دولة اليهود" المشبوك بانعدام مشروعية وجودها ؟؟
بكل تأكيد لن يقول أحدهم ذلك, خوفا من أن تتشوه صورة الوحش الإسرائيلي بنفحة من الجمال (عجبتني هالألليغوري: نفحة هو سجن إسرائيلي, وأبوجمال مراغة هو أول المعتقلين اللذين استشهدوا فيه)
أقول: الجمال الزائف الذي ترتهن من خلاله إسرائيل بصورتها أمام الرأي العام الغربي الذي تحمل عبء نشر رسالته أيدلوجيا على حد سيفها المغموس بدمنا جميعا.

تعكر دمي, وأنا دمي مش وجه تعكير
نرجع للأخو.. صاحب البلوغ المذكور (إللي مش مذكور, خوفا على مشاعره) وبما إنو أنا مش ذاكر عنوان بلوغك خوخا على مشارعك الرهيفة, فاسمعني منيح
أكتب, رفيق أكتب بصدق, واتركك من حمل اليافطات, هالإنسان اللي عايش على هالأرض إلو مهمة أفضل وأقدس من حمل اليافطات اللي حتى ما بتنفع تخيط منها مريول مطبخ لمرتك ..
كل هالخراب الجميل اللي معبي فلسطين, ما طلعت فيه وردة وحدة تستحق تحكي عنها؟
كل هالحيطان المهدومة, ما لحقّت تضاجعلك شي أنثى وراها قبل ما يهدموها؟
كل هالمقلوبة ببيتنجان, بشرفك ما هي زاكية؟
ولك كُل
إشرب
دخن تعرص
إعمل أي شي بس بعرضك : لا تكتب !! حبيبك أنا
فعلا شي بيخلي الواحد يحشش
وفعلا: انا بدي حجة, أي حجة عشان أحشش
وبما إني واحد, وبما إن هالشي بيخلي الواحد يحشش فبالتالي: أنا رايح أحشش
والسلام ختام وحنيّة
ورب أخ لك خير من ألف موعاد
أما أنت يا مقيم الصلاة, فجيب ورق أوتومان , والحقني عالبلكون
ملحوظة قيّمة أكتبها بقلم الكحلة: لا أدري أي روح شريرة حلّت في بريمج هلو الخاص برفع الصور إلى سيرفر البلوغ, لذا فأنا عاجز جنسيا عن وضع أية صورة في بلوغي حتى إشعار أخر


:: :: :: ::

الميتوس المكسور:إنتصار جزئي.. هزيمة ساحقة

في زمن الأساطير , كان على الملك مينوس أن ينتظر بشرى انتصار إبنه "ثيسيوس"على "المينوتور" على هيئة شراع سفينة أبيض يرتفع في مدى إيجة.
عشق ثيسيوس أميرة كريت التي ساعدته على قتل أخيها "مينوتور"- نصف الثور ونصف الرجل- , فنسي رفع الشراع في طريق العودة, وانتحر مينوس الأب بالقفز من فوق صخرة على شاطئ "ميتوس".

في الوجدان الإغريقي, فالبشري, صارت الميتوس تعني الأسطورة, لكنها ليست تعريفا مجردا للحكاية التي تفوق الخيال, هي أسطورة ملآى بالدم, عصية على الكسر.
هي حقيقة ثابتة دون أن تثار الحاجة لإثباتها, ودون أن يتمكن المنطق المجرد من تجريدها من "واقعيتها", أمرا يشبه "الله" مثلا.

تبقى مسائل "التراجيديا" في بعدها الجمعي, واحدة وثابتة رغم تباعد الأزمنة. ويبدو أن الفلسطينيين يستمدون في لحظة الهزيمة التاريخية التي تمتد على امتداد وجودهم , بعضا من تراثهم الكريتي, فالذاكرة الجمعية تنتقل في المجتمع البشري كالشفرة الوراثية, وحكمة المهزوم, التي نبرع كفلسطينيين, في التفلت منها والتشبث بأهداف إيفوريا الانتصار ,هروبا منها, لم تستطع حتى اللحظة أن تنقذنا من غيلة جنون الخطاب البونابارتي الذي يبرع الطرفان الأقوى في الثورة, لحظيا (السلطة والأصولية الإسلامية) في أدائه.
معركة الأمعاء الخاوية انتهت, ولما نعد خسائرنا بعد, والصورة في طريقها للإتضاح, بالرغم من كل هذا الفراغ الملون الذي يسبغه "قادة الثورة" على نتائجها *

في جدلية النضال اليومي, التأقلم الرافض, الاشتباك اليومي مع العدو الذي يتحكم بمساحة الضوء و جرعة الهواء المسموحة, يبدأ المعتقلون الفلسطينيون معركة جديدة, بقوانين جديدة كليا.
هذه الأرض المحروقة تحت اقدام المعتقلين ومن حولهم تشير إلى الهزيمة الأخلاقية التي منيت بها الحركة الأسيرة, هزيمة في صميم "ميتوس"التراث الثوري في فلسطين, ذلك الميتوس الذي يتحدث عن " عصيان الحركة الأسيرة على الكسر" بالاستناد إلى كون الأسرى يقفون أمام جدار أخير لا يمكن التراجع عنه.
بالتأسيس على هذا الميتوس, تمكن المعتقلون الفلسطينيون من انتزاع عشرات الامتيازات من أشداق المخابرات الصهيونية التي كانت تدير العملية الاعتقالية بأسرها. هذا الجهاز الذي كان يواصل حربا ممنهجة على أجساد ونفوس المعتقلين بهدف إخضاعهم, و جند لعملية الاخضاع المتواصل هذه الكثير من قدراته وطواقمه.
شملت العملية على مدار سنين طوال تدخلات مخابراتية في أدق تفاصيل الحياة اليومية للمناضل المعتقل, بدءا من اختيار نوعية الطعام المقدم , و تصميم السجون وساحاتها الداخلية وغرف الزيارة, إلى التدخل في "من" و "كيف" يزور المناضل المعتقل.

عبر سنين طوال, وبالاستناد إلى عقلية "ليس لدينا ما نخسره" تمكن المعتقلون وعبر معارك دموية ومريرة مع واجهة المخابرات (خدمات إدارة السجون العامة) إقامة جمهورياتهم الخاصة داخل المعتقلات, بدءا من الثمانينات, مثلا, صار على مدير المعتقل الصهيوني أن يقدم طلبا شفهيا مسبقا, على صيغة إعلام قابل للتشاور, إلى نظيره الفلسطيني (ممثل المعتقل) لدى إجراء أي تغيير ذي معنى في حياة المعتقلين اليومية.
تمكن المعتقلون عبر حركاتهم المطلبية من التوصل إلى وضع يُسمح فيه بإدخال تلفزيون إلى كل غرفة مساجين محكومين, إدخال مواد غذائية وكتب وصحف و تمكين المعتقلين من تقديم امتحانات الثانوية العامة داخل معتقلاتهم, بل والتقدم لشهادات جامعية من داخل السجون. لم يكن أمام الجهاز المخابراتي الصهيوني سوى الإذعان أمام مطالب المعتقلين, إذ أن الحركة الأسيرة كانت فيما مضى تحرك الشارع الفلسطيني بأكمله,وكانت حالة التوازن هذه التي يتقدم عبرها المعتقلون الفلسطينيون بحذر من انجاز إلى إنجاز دون الإخلال بحالة يثبت فيها التوتر عند نقطة معينة تحددها الحركة الأسيرة نفسها,نقطة على شفى التفجير, وفي طرف التفاهمات اليومية القابلة دوما للتغيير وفقا لإرادة المناضلين.
وكانت الحالة تجد أعداء يوميين لها في الطرف الإسرائيلي. كان على هذا "الميتوس" أن ينكسر, ووجدت مخابرات العدو في "إتفاق أوسلو" منفذا يمكن لها أن تكسر عبره ظهر الحركة الأسيرة وتثني إرادتها.

بغباء مطلق وافق عرفات (إبن الستين شرموطة) على آلية تفريغ للمعتقلات من أكبر قدر من "الميتوس" مع أقل قدر ممكن من البشر. لذا, فقد اشترطت اسرائيل على السلطة أن تطلب من إسرائيل (نعم.. هذه هي الصيغة المقصودة, رغم ما يبدو عليها من ارتباك) أن يقوم المعتقلون الفلسطينيون بالتوقيع على وثيقة العار, وهي الوثيقة التي يستنكر من خلالها المعتقل ما قام به من "أعمال إرهابية", و يتعهد عبرها بـ"دعم جهود العملية السلمية".

بعد هذه الخلخلة التي أصابت وحدة الموقف في الحركة الأسيرة في صميم مشروعية وجودها ونضالها, منهجت المخابرات الصهيونية آليات عزل القيادات الأسيرة وتحويل المعتقلات إلى تجمعات بشرية فاقدة لروح الجماعة, وبعيدة كل البعد عن التقاليد الثورية, ونجحت إلى حد بعيد في ما ترمي إليه, وبالإمكان القول أن نتائج هذا كله قد تبدّت في إضراب الـ95 حيث ظهر التشقق في جدران ما اصطلح على تسميته ب" القلاع الاعتقالية" التي حلت محل تسميات "السجون".

يتبع
_____
*صرح هشام عبد الرازق, وزير شؤون الاسرى, مثلا أن المعتقلين قد تمكنوا من تحصيل 90% من مطالبهم, لكنه أكد, في المقابل أنه لا يعلم شيئا عن حقيقة الاتفاق الذي قال بأن القيادة المعزولة قد تمكنت من عقده مع سلطة السجون الاسرائيل

ليست هناك تعليقات: