يشعل مسرورشمعة, يشم الوردة التي على الطاولة. يمرر طرف بتلاتها على شفتيه.(عيناه الآن مغمضتان).
يشتاق مسرور إلى رائحة الخبز تتخلل خياشيمه, فيجهش بالذكرى: بيت من طين, وأم تمد يديها في الطابون, وقمر يضيء الطريق المفروشة بأغمار السنابل. مسرورالآن شاعري جدا.
يعيد مسرور الشاعري الوردة برفق إلى الكأس الذي يرتجف من الرعب.
يستل مسرور الشاعري سكينه, ويمدد قالب الخبز على الطاولة, حد السكين يلمع في الظلمة, يزيل برأس السكين غلاف النايلون عن الكتلة البنيّة التي لها رائحة الحطب والتراب.
(مسرور الشاعري يشعر بالطمأنينة )
يغمد مسرور الشاعري (الذي تجتاح قلبه الطمأنينة ) السكين في قلب قمح الضياع الفقيرة المحروق على شكل مستطيل محايد, وينتزع جلدها.
يلوك مسرور الشاعري, جسد الحقول, يقطع مثلثا من الجبن الهولندي ويتناوله بشفتيه من رأس الخنجر .
يفكر مسرور-الشاعري (المطمئن): هذا الليل تنقصه حلمتان تنتفضان فتضيئان العتمة, يفكر مسرور:
لو أنني أكتب قصيدة
برعب شديد, يلملم مسرور الشاعري (المطمئن) الفكرة التي انداحت أمامه كمساحة من الدم المسكوب الذي يأخذ مداه, ويحرقها قبل أن يذر رمادها في صفيحة القمامة, وهو يتطلع من شباك الغرفة بعينين قلقتين.
قصيدة!
أي شيطان ألقى في جمجمتي هذه الفكرة- العاهرة!
أصير من أعداء الوطن ؟
فشر! , قال مسرورالشاعري الذي ينقّط طمأنينة, ينتفض حين تجتاحه حمى حب الوطن ..
يتذكر مسرور, المطمئن والشاعري, أعداء الخليفة المتربصين بالوطن ويكتبون الهرطقة.
وجه العدو يلمع الآن في ذاكرة "مسرور" :
العينان الحمراوان في العتمة, والأسنان التي تنتشر عشوائيا على الأرض الإسمنتية, الجسد المبلول, رائحة الجلد المشوي بالكهرباء. و مسرور , الشاعري, الوطني, يعبث بالمقبس وينتصر للوطن الذي يمتد عاريا ومقلوبا على بطنه تحت الخليفة.
ينظر مسرور في حدقتي العدو المحمرتين, يشاهد إمرأة , جسدها أسمر كرغيف خبز, تتمدد عارية في العينين.
يندهش المواطن مسرور(القلق من فكرة القصيدة), يتملى الجسد الذي ينتفض كعصفور تماما في وسط حدقة الشاعر الزنديق.
مسرورالشاعري, شاعري إلى أقصى الحدود الآن, هو يشعر الآن بالإنتصاب, وهو يشتهي المرأة التي في عيون الشاعر الخائن, يتقدم منه ..
يقحم إصبعه في العينين , يخرج إصبعه المبلول: المرأة لا تريد الخروج!
مسرورالشاعري, المفعم بالطمأنينة غاضب الآن
كيف!! كيف تخصب الحقول, لماذا تتعرى النساء أمام الخونة! يتساءل مسرورالشاعري, المطمئن, القلق, الوطني, الغاضب
يفكر مسرور: زانيات!
يواصل مسرورالشاعري المفكر, الذي يحس بالطمأنينة, الوطني, وأصابعه تداعب مفتح الكهرباء, رغم شعوره بالقلق, عمله بغضب شديد
يطلب من الجسد المصلوب ذي العين المفقوءة أن يغنّيِ للخليفة
غنِّ, قلت لك, قال مسرورالشاعري, المفكر, الوطني
الجسد الظل, يحدق بالعين الباقية بصلعة مسرور, بكتلة عضلاته, يفكر بالقمح, وبإمرأته البعيدة, و بالخليفة الذي يحرق الحقول ويسبي النساء, يتساءل الجسد الصامت: عندما تصعد الخضرة في نسغ الشجر, والفرح في الشوارع والأطفال في الأغاني المدرسية, هل ستكفي عيني الواحدة لرؤية هذا كله؟
مسرورالشاعري, يتفجر غيظا وطنيا أمام كتلة الصمت المصلوبة , والتي لها عين حمراء واحدة
غنِّ!!
لماذا لا تغنّيِ ؟؟
غنِّ, قلت لك
غنِّ
لماذا لاتغنِّي
غنِّ